في هذه المقاله سنتطرق الى تاريخ الرياضيات ودور علماء المسلمين في نشأته وتطوره
مقدمه في تاريخ الرياضيات
الأرقام
لم يكن العرب قبل الاسلام يستخدموا الرموز للأرقام، حتى
في الدول والمناطق المتحضرة آنذاك كاليمن والمناطق القريبة من شبه الجزيرة
العربية، مثل العراق وسوريا. وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أنهم كانوا
يكتبون الأعداد بواسطة الكلمات أو الحروف الأبجدية. (Lay-Yong. L. p185).
ويرجع استخدام الحروف الأبجدية للتعبير عن رموز الأعداد
إلى الماضي البعيد. إذ كان رمز العدد يعبر عنه بواسطة حرف أبجدي استناداً للحرف
الأول من الكلمة التي تعبر عن العدد، فمثلاً يستخدم الحرف خ ليعبر عن العدد خمسة
والحرف ع ليعبر عن العدد عشرة والحرف م ليعبر عن العدد مائة وهكذا..(البكري، 1954،
ص 77).
كان عرب المشرق بشكل عام يستخدمون رموز الأعداد استناداً
إلى تسلسل الحروف الأبجدية، فيما كان عرب المغرب يختلفون بعض الشيء في استخدام
الحروف في تمثيل رمز الأعداد كما مبين في جدول (1). هذه الطريقة كانت تسمى عند
العرب (حساب الجمل) بمعنى استخدام الحرف الأبجدي للتعبير عن رمز العدد بناءً إلى
ترتيب الحروف الأبجدية.
استمر العرب باستخدام الحروف الأبجدية للتعبير عن رموز
الأعداد لفترة طويلة قبل الاسلام. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن ظهور الأعداد في
القرآن الكريم كانت على شكل كلمات لا رموز مثل (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ
مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)، وغيرها من الآيات القرآنية.
ومن الجدير بالذكر أن في لغتنا العربية لا توجد إشارة
واحدة أو جملة تعبر عن قيمة ما بعد الألف، إذ كان العرب يشيرون إلى المليون بألف
ألف، كما موضح في حساب الجمل في الإشارة إلى الأعداد الكبيرة. (جدول 2). (مطلب،
1978، تاريخ العلوم الطبيعية، ص91).
وقد استمر العرب باستخدام حساب الجمل للتعبير عن رموز
الأعداد حتى ظهور الرموز الهندية للأرقام التسعة الأولى. إن أول إشارة للأرقام
الهندية ظهرت في العالم العربي كانت في كتاب القس سيفيروس سيبوخت من مدينة نصيبين
سنة 662 ميلادية، حيث لاحظ أن الهنود يستخدموا
الرموز التسعة، (وهو الشيء الذي كان يميز الهنود عن غيرهم في استخدام الرموز
التسعة للأرقام).
ومنذ بداية العصر العباسي ازدهرت حركة الترجمة من اللغة
السريالية إلى اللغة العربية، وقد شجع الخليفة المنصور العلماء إلى المجيء إلى
بغداد. وفي نهاية القرن الثامن الميلادي كان كتاب (BRAHMA-SPHUTA SIDDHANTA) والذي سمي من قبل العرب كتاب السندهند، قد ترجم إلى اللغة
العربية. هذا الكتاب يحتوي على الجداول الفلكية التي كتبت بواسطة العالم الرياضي
والفلكي الهندي براهماجوبتا (Brahmagupta) والذي عاش للفترة (588-660) ميلادية. كما أن هذه الجداول الفلكية قد كتبت عام 628 ميلادية. وقد أصبح هذا الكتاب العلمي القيم معروفاً لدى العرب في
الفترة (771-773) ميلادية، والفضل في ذلك يعود للفلكي الهندي
كانكا (Kankah) الذي وفد إلى بغداد وجلب هذا الكتاب
للخليفة المنصور في بغداد (754-755) ميلادية.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب العلمية ولما عرف عن الخليفة
ابو جعفر المنصور في الاهتمام بنشر العلوم بين العرب، فقد طلب أن يترجم إلى اللغة
العربية وأن يؤلف على نهجه كتاب يعتمد عليه العرب في أعمالهم الفلكية، وقد تولى
القيام بتلك المهمة الفلكي محمد بن ابراهيم الفزاري الذي اعتمد عليه في تأليف كتاب
أطلق عليه علماء التنجيم العرب تسمية (السند هند الكبير) وبقي العمل على وفق ذلك
الكتاب حتى عهد الخليفة المأمون حيث ألف محمد بن موسى الخوارزمي (780-851) ميلادية زيجه المشهور الذي احتل الأهمية
الكبيرة في الدولة الاسلامية.(القفطي، تاريخ الحكماء، ص270)، (شوقي
والدفاع، العلوم الرياضية في الحضارة الإسلامية، مجلد 1، جون وبالي،
نيويورك، 1985، ص 38).
وقد كان ذلك الكتاب الذي ترجمه العرب يحتوي على جداول
فلكية تضمنت الرموز التي مثل بها علماء الهند الأرقام والتي أثارت اهتمام العرب
لما لها من الأهمية، لذا فإن ترجمة ذلك الكتاب إلى اللغة العربية كانت بمقام فتح
جديد في مجال الرياضيات حيث إنها تمثل أول اطلاع للعرب على رموز تلك الأرقام،
وكذلك فإن ذلك العمل مهد الطريق للخوارزمي الذي عمل من خلال مؤلفاته التي تركها
على تعميم استعمال الأرقام بفكرتها الجديدة من إطار الدراسة العلمية الصرفة إلى
حيز الاستعمال اليومي في معاملات الناس.(المنشداوي، ص 136).
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن العالم العربي قد عرف
واستخدم الأرقام الهندية بفضل كتاب الخوارزمي، ولهذا السبب فقد بدأت الأرقام
الهندية تحل محل الحروف الأبجدية وحساب الجمل.
لقد اختلف وتساءل بعض الباحثين عن دور العرب في تطور
الأرقام؟ وللاجابة عن هذا التساؤل، نذكر بأن المصادر العربية القديمة قد أثبتت بأن
أصل الأرقام يعود إلى الهنود وأن تهذيب أشكال الحروف قد قام به العرب فيما بعد.
وقد أكد عدد من الباحثين كون العرب أخذوا عن الهنود فكرة
الترقيم وليس أشكال الأرقام كما ذكرها الهنود ومن أولئك الشيخ محمد حسن آل ياسين،
الذي ذكر: (أن العرب بعد أخذهم شكل تلك الأرقام قد أجروا عليها من التعديل
والتشذيب ومنحوها من الذوق والانسيابية واللمسة الفنية ما جعل لها صورة متميزة
وشكلاً وطريقة معينة في الكتابة وربما يستهدفون بهذا التحوير أن يجعلوا تلك
الأرقام أكثر شبهاً وقرباً إلى حروف أبجديتهم ذات القيمة العددية أيضاً في الشكل
والرسم. (آل ياسين، محمد حسن، الأرقام العربية مولدها نشأتها تطورها، مطبعة المجمع
العلمي العراقي، بغداد، 1982، ص13).
أما قدري حافظ طوقان فقال: (وكان لدى الهنود أشكال عديدة
للأرقام هذب العرب بعضها)، . (طوقان: تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، دار
الشروق، بيروت).
وأوضح الدكتور أحمد مطلوب اختلاف أشكال وصور الأرقام
العربية عن الهندية بقوله: (إن العرب أخذوا عن الهنود فكرة الأرقام ولم يأخذوا
أشكالها وصورها).(مطلوب: أحمد: الأرقام العربية. مجلة المجمع العلمي العراقي،
المجلد 31، الجزء الرابع، 1980، ص188).
أما الدكتور عادل البكري فقد أكد الأصالة العربية
للأرقام بقوله (لا يمكن بأي حال من الأحوال الطعن بأصالتها العربية). (البكري،
عادل: تطور الأرقام العربية المشرقية والمغربية، مجلة المجمع العلمي العراقي،
المجلد 26، 1975، ص 240).
لقد كون العرب
سلسلتين أو نوعين من أشكال الأرقان نميز بين تينك السلسلتين الأولى سادت في المشرق
العربي كما جاء ذلك في كتاب الفهرست لأبن النديم وسميت بالأرقام الهندية. أما
السلسلة الثانية فقد انتشرت في المغرب العربي كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في
مقدمته (1332-1406) ميلادية وقد سميت بالأرقام الغبارية. وهذه
الأخيرة انتقلت إلى أوربا وبقية انحاء العالم من خلال أسبانيا عندما كانت اسبانيا
جزءاً من الدولة الإسلامية.
اتفق معظم الرياضيين والمؤرخين على فكرة أن أصل الأرقام
هو هندي، ولكن البعض من عرب المشرق قد طوروها إلى أن أخذت الشكل النهائي للسلسلة
الأولى وهي:
1 2
3 4 5
6 7 8
9
والشيء نفسه ينطبق على السلسلة الثانية التي طوروها عرب
المغرب إلى أن وصلت إلى صورتها النهائية الآتية:
1 2
3 4 5
6 7 8
9
إن أقرب
شكل أو صورة للأعداد وجدت في مخطوطة ليدن (Ledien)، كما أشار
إلى ذلك شوقي والدفاع في كتابهما (العلوم الرياضية في الحضارة الإسلامية). كما أشارا إلى أن الصفر قد أخذ شكل النقطة في
المشرق العربي بينما أخذ العدد خمسة شكل الدائرة كما هو مستخدم في المشرق العربي
اليوم. والجدير بالذكر أن العرب لم يحددوا أنفسهم في النقل الميكانيكي أو الحرفي
لرموز الأعداد الهندية التسعة وإنما قدموا تغييرات كثيرة لتحسين وتبسيط شكل رموز
الأعداد.