الحسن بن الهيثم
تمهيد
حثّ الاسلام على طلب العلم وحرّض عليه تحريضا ومجّد العلماء والمتعلمين ورفعهم درجات
ومنازل. يقول الله تعالى في ذلك: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجا.(=
كما رصد الاسلام للعالمين والمتعلمين والجادين في التزود من العلم عظيم الثناء والتكريم، يقول
صلى الله عليه وسلم: "ان العلماء ورثة الأنبياء وان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً انما ورثوا
العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر").(٢
فضلا عن تنافس الخلفاء والامراء والحكام المسلمين في رعاية العلماء واقامة دور العلم
والمكتبات، وحضور الندوات والمناظرات العلمية، مما أتاح الفرصة وأعد البيئة الصالحة لظهور
علماء عباقرة أفذاذ، سطعت أنوارهم وازدهرت في سماء الحضارة الاسلامية.
كما ساعد العلماء على هذا التفوق العلمي عوامل اخرى كحرية الرأي، فلم يتعرض العلماء لمحن
بسبب آرائهم العلمية الا في بعض العصور، وكذا استعلاء العلماء بعلمهم، وزهدهم في الترف
والسلطان، اضافة الى الاستعداد الذهني مع الصبر والمثابرة.
حياة ابن الهيثم
ولد
ابن الهيثم في البصرة سنة 354هـ/965م في فترة كانت تعد العصر الذهبي للإسلام،
واختلف المؤرخون أكان من أصل عربي أم فارسي. مع ترجيح كونه عربي الاصل، بدأ بطلب
العلم خلال تلك الفترة التي قضاها في البصرة، حيث قرأ العديد من كتب العقيدة
الإسلامية والكتب العلمية.
جاء
في كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي على لسان ابن الهيثم: «لو كنت بمصر
لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان.» فوصل قوله
هذا إلى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي دعاه إلى مصر لتنظيم فيضانات
النيل، وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، وهي مهمة التي تطلبت حينئذ بناء سد في
الموقع الحالي لسد أسوان، وبعد أن تفقّد الموقع أدرك عدم جدوى هذا المشروع لضعف
الإمكانات المتاحة في ذاك الوقت، وخوفًا من غضب الخليفة، إدعى الجنون، فاحتجز
بمنزله من عام 401 هـ/1011م حتى وفاة الحاكم في عام 411 هـ/1021م. وخلال تلك
الفترة، كتب كتابه الأشهر المناظر.
رغم
أن هناك حكايات طويلة حول فرار ابن الهيثم إلى الشام، ثم مغامرته بالانتقال إلى بغداد
في وقت لاحق، وقيل البصرة حيث تظاهر بالجنون، لكن من المؤكد أنه بقي في مصر حتى
عام 428 هـ/1038م. خلال فترة وجوده في القاهرة، ارتبط ابن الهيثم بالجامع الأزهر،
الذي كان بمثابة جامعة المدينة، وبعد انتهاء فترة إقامته الجبرية في منزله، كتب
عشرات الأطروحات الأخرى في الفيزياء والفلك والرياضيات. ثم سافر بعد ذلك إلى
الأندلس، حيث كان لديه متسع من الوقت لمساعيه العلمية والتي شملت البصريات
والرياضيات والفيزياء والطب، والقيام ببعض التجارب العلمية؛ وكتب العديد من الكتب
في تلك الموضوعات.
وأهم انجازاته العلمية
- برهن أن الرؤية تحدث من جراء الأشعة الضوئية التي تنبعث من الجسم المرئي الى عينالمبصر.
- برهن أن الشعاع الضوئي ينتشر في خط مستقيم في وسط متجانس.
- اكتشف ظاهرة انعكاس النور، كما اكتشف ظاهرة انعطاف الأشعة الضوئية.
- وضع بحوثاً قيمة في مسألة تكبير العدسات.
- شرّح العين تشريحاً وافياً وبين وظيفة كل قسم منها
عرفته اوروبا باسم "الهازن"، وهو تحريف لكلمة الحسن، وسمي) الحكيم بطليموس الثاني. (
وذكر ابن القفطي ان الناس قد أخذوا عن ابن الهيثم واستفادوا منه.
ابن الهيثم وعلم الضوء والبصريات
تميّز
ابن الهيثم في نظريته عن الضوء والرؤية فهي لم تكن مبنيةً على أيّة نظرية سبقتها
في التاريخ القديم أو الإسلامي، فهو أول من درس العدسات واكتشف قدرة العدسة
المُحدبة على تكبير الأجسام، وقد تمّت الاستفادة من هذا الاكتشاف لخدمة الناس في
القرن الثالث عشر الميلادي في صناعة النظارة أيّ بعد ما يُقارب مئة سنة من اكتشاف
ابن الهيثم، كما أنّه درس طريقة مرور أشعة الضوء عبر مواد مختلفة ليكتشف قواعد
انكسار الضوء، وهو أول من قام بتجربة تشتّت الضوء إلى ألوان الطيف الأساسية،
وعندما حُكم عليه بالإقامة الجبرية لعشر سنوات بين 1011م-1021م كتب أطروحته
العلمية بأجزائها السبع عن البصريات وسمّاها كتاب المناظر الذي اعتُبر من أكثر
الكتب المؤثّرة في الفيزياء المعاصرة وفهم الرؤية والضوء، بما يُضاهي كتاب الأصول
الرياضية للفلسفة الطبيعية لإسحاق نيوتن.[٦] تُرجم كتاب المناظر للغة اللاتينية
ووصل إلى أوروبا عام 1200م، فقد كان مساهماً أساسياً في التطوّر العلمي في أوروبا،
كما أثّر على أعمال علماء أوروبيين مثل يوهانس كيبلر، واعتُبر الكتاب الأهم في
البصريات حتّى كتابة العالم كيبلر لكتابه عن البصريات الفلكية عام 1604م، ومع كلّ
تأثير هذا الكتاب في أوروبا لكنّه بقي مجهولاً في العلام الإسلامي حتّى عشرينيات
القرن الرابع عشر الميلادي،[٧] كما ساهم هذا الكتاب في إعطاء علماء القرن الثالث
العشر مثل جروسيتيست وغيره تصور جديد عن الكون وعن مبادئ جمالية وهندسية جديدة،
وبذلك أثّر هذا التصور في فن العمارة القوطية للكاتدرئيات في العصور الوسطى، وعلى
المنظور البصري الذي أدّى الى تطوّر الصور والتصوير.[٨] اهتم ابن الهيثم بدراسة
العديد من الظواهر الفيزيائية؛ كالظل، والكسوف، وقوس قزح، كما درس ابن الهيثم
طبيعة الضوء الفيزيائية، وبناءً على نظرياته استطاع تفسير ظاهرة تضخم حجم الشمس أو
القمر عندما يقتربان من خط الأفق، ومن أكثر ما عُرف عنه أنّه من أوائل من استخدم
حجرة التصوير المظلمة والكاميرا ذات الثقب، كما أنّه اجتهد في تفسير آلية الرؤية
في العيون مناقضاً نظريات العالمين بطليموس وإقليدس عن الرؤية التي تقول أنّ
الأشعة الصادرة من العينين هي ما تُمكّنهما من رؤية الأجسام، وبهذه البحوث
والإسهامات في علم البصريات اعتُبر ابن الهيثم أبا علوم البصريات
المعاصرة
ابن الهيثم ومجالات أخرى
برع ابن الهيثم في العديد من المجالات الأخرى،
ومن أهمّها ما يأتي:[١١] مجال الطب: كانت أهم إسهامات ابن الهيثم في مجال الطب وطب
العيون جراحة العين وتفسير آلية الرؤية والإدراك البصري. علم النفس: أصبح ابن
الهيثم من رواد العلم النفس التجريبي عن طريق تفسيره لعلم النفس المرتبط بالإدراك
البصري.
مؤلفاته
وفقًا لمؤرخي العصور
الوسطى، ألف وكتب ابن الهيثم أكثر من
200 كتاب، وعمل على طائفة واسعة من الموضوعات، منها ما لا يقل
عن 96 عمل علمي معروف. وفقدت معظم أعمالهُ حاليا، ولكن ما زال باقيًا أكثر من 50
عمل منها، وخاصة في علم البصريات والذي لم يصل إلينا سوى من خلال النسخ المترجمة
إلى اللغة اللاتينية. كما ترجمت كتبهُ في علم الكون خلال العصور الوسطى، إلى اللغة اللاتينية والعبرية وغيرها من اللغات. وبقيت نحو نصف أعماله في الرياضيات، ونحو 23 عملاً في علم الفلك، و14 في علم البصريات، وأعمال قليلة في موضوعات أخرى.
من أعماله:
ü مقالة في التحليل والتركيب.
ü ميزان الحكمة.
ü مقالة في المكان.
ويتضح مما سبق أن
عمل ابن الهيثم على الرغم من أن منه ما اندثر، ومنه ما لم يُنفض عنه الغبار حتى
الآن، هو عمل عالم عملاق من حق الأجيال العربية الإسلامية أن تفتخر به، ومن واجبها
أن تتخذه قدوة في طلب العلم وممارسته. كما ينبغي لمؤسساتنا التراثية والأكاديمية
التي تُعنى بتاريخ العلوم أن تحفِّز الباحثين على دراسة وتحقيق كل مؤلفات هذا
العلامة. وقبل هذا وذاك يتعيّن وضع تلك المؤلفات في متناول الدارسين والمتعطشين
إلى معرفة كل ما أنتجه ابن الهيثم من دون زيادة ولا نقصان.